jeudi 26 septembre 2019

التحذير من النفاق


السلام عليكم و رحمة الله و براكته
نلنفاقَ من سيّئ الأخلاقِ وردئ الخِلاَلِ، ويُعبِّرُ صَراحةً عن رداءةِ النفوس وضياعِ الإيمان وآفةٌ يستعين بها شياطين الإنس والجن على إدراك مآربهم الحقيرة، وسعيهم غير مشكورٍ لا في الدنيا ولا في الآخرة.

والنفاقُ هو أن يُظْهِرَ الإنسانُ خلافَ ما يُبْطِنُ، حيث يكون المعنى في قلبه ضِدَّ نطْقِهِ ولسانِهِ، وتصرفاتُهُ في باب الحب أو البغضاء لا تُخْبِرُ عن حقيقتها على الإطلاق، فيُبْدِي مراسيمَ الاحترام والوئام للناس على حسب مصلحته وقلبُهُ يتلظى بأفحش صور البغضاء والتحقير، ويُبْدي الفرح مع أنه من المحزونين ويبدي الرضا وهو من الساخطين ويبدي الحب المغشوش بينما هو مقدَّمٌ في فنون الكراهية والحقد الدفين، ويا ويلَ المؤمنين الصادقين من النفاق والمنافقين.

وما ركَّزَ القرآن الكريم على نبذِ بلاءٍ بَشَرِيٍّ كالنفاق، وتَعدَّتْ مواضع التحذير منه في أكثرَ من ثلاثمائة وأربعين آية تكشف بواطن المنافقين وتُجَلِّي للمؤمنين صفاتِهم وتُبْرِزُ مواقِفَهم، وأنزل الله تعالى في شأنهم سورةً كاملة باسمهم وسماها سورة "المنافقون" وكذلك سورة "التوبة" وقد سماها بعض المفسرين "الفاضحة" كونها كشفت زيفهم في الحضر والسفر والمسالمةِ والجهادِ وأبانت عن بواطنهم ونزعت الغلالةَ الرقيقةَ التي يتسترون بها خلف حُجُبِ مصلحتهم ونيتهم الفاسدة، وما حذر سَيِّدُ الأنام صلى الله عليه وسلم من آفة ضارَّةٍ بالدين والدنيا مثلَ النِّفَاقِ.

والنفاقُ نوعان؛ اعتقاديٌّ وسلوكيٌّ، فأما الاعتقادي فهو ما يتعلق بالقلب مباشرةً حيث يتربعُ فيه الكفر بَيْدَ أن صاحبه يُخفيه ويظهر الإسلام، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ ﴾ [المائدة: 61]، وهم على هذه الشاكلة البغيضة المتذبذبة، فهم يكتمون الكفر ويشهدون بالإسلام بمجرد نطق اللسان ويتأثمون بالحلف الكاذب، قال الله تعالى: ﴿ ذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [المنافقون: 1 - 3]، وأهل النفاق الإعتقادي في الدرك الأسفل من النار، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 145].

والنوع الثاني هو النفاق السلوكي، ويظهر في التعامل بين الناس حيث تطفو خلائق المنافقين على سطح سلوكياتهم فيكذبون على الدوام ويزيدون وينقصون في الكلام ويخفرون العهود ويخونون الوعود ويَفْجُرونَ في الخصومة، وهؤلاء قد ذمَّهم الشرع الحنيف وشَنَّ عليهم حرباً لا هوادة فيها بغرض الإصلاح لنفوسهم أو تحذير الخلق من شرهم، وفي باب الوقاية من هذه النماذج قال الله تعالى: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 140].

ويحذر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من الوقوع في براثن النفاق أو التلون فيقول: (إنَّ شرَّ الناسِ ذو الوجهَينِ الذي يأتي هؤلاءِ بوجهٍ وهؤلاءِ بوجهٍ) [صحيح البخاري 7189 عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه]، ذلك الذي لا يكاد محدثه يعرف وجهته ولا غرضه، ولم يعد من العجائب هذه الأيام أن يُغيِّرَ المنافقُ طريقة تعامله مع شخصٍ واحدٍ بألوان مختلفة على حسب مصلحته: